يستخدم الرجل الشرقيُّ كثيرًا ورقة المقارنة بين المرأة العربيّة ومثيلتها الغربيّة؛ للحدّ مِن قيمة العربيّة والانتقاص من شأنها، فترى شابًّا يضع صورة لفتاة غربيّة جميلة (غالبًا ما تكون عارضة أزياء) يُتبعها بجملة تهكميّة على حاله ونظرائه مِن الشباب أصحاب الحظّ العاثر الذين رَمَتْ بهم الدنيا في هذه البقعة مِن العالم.
شابٌّ آخر يضع صورة لفتاة غربيّة جميلة يزعم أنّها بائعة خضار، مُقارنًا إيّاها بصورة عربيّة، فتضجّ التعليقات بالنكت والسخرية والحسرة على الحال، مُتناسيًا الشابَّ فارع الطول عريض المنكبين الذي يجلس على البسطة المجاورة للفتاة، ثمّ يبدأ أحدهم بطرح قضيّة المُهُور وارتفاع تكاليف الزواج مُستغربًا غلاء (البضاعة) معَ سوء (المنتوج)، جملة نَقَلْتُها كما كتَبَها أحدُ المعلّقين بكلّ ما تحمله مِن إهانة للمرأة التي هي أُمّه وأخته في آخِر الأمر.
في كأس العالم في روسيا، لم يتوارعِ الشباب العربيّ عن تصوير فتيات المُدرّجات الشقراوات، معَ نشر جُمَلٍ تفيض بالسخرية مِن العربيّات، لينشرها على حسابه الذي تُتابعه فتياتٌ غير آبِهٍ بمشاعرهنّ، بدون أيّ احترام وبطريقةٍ اعتادتْها العربيّة حتّى لم تعُد تستهجنها، بينما في نفس الوقت ينشر صورًا لعربيّات جميلات في المدرّجات يتتبّعُ باستهجان لُبْسَها وتصرُّفاتِها غير المحتشمة، في تناقض كبير إنّما ينِمّ عن ازدواجيّة في المعايير وربّما في الشخصيّة.
تخطّى الأمر حدود المقارنة عندما قام شاب عربي بتصوير فيديو في المانيا عن المهور ، يسأل الشاب الفتيات الألمانيات عن رأيهن في المهر لتعطي الألمانية بدورها دروسا للعربية في معنى الزواج وهدفه وقيمة المرأة ، متناسيا ربما عن عمد أن يسأل نفس الفتاة عن رأيها في تعدد الزواج والطلاق بكلمة من الزوج وضرب الزوجة وحقوق المطلقة بالعربية بالمقارنة مع نظيرتها الغربية ، في تسطيح متعمد للمشكلة تظهر فيه العربية كانسانة مادية لا تنظر للزواج كمؤسسة وشراكة .
حتّى في المجموعات الفيسبوكّيّة المحترمة، يلوّح الرجل دائمًا بورقة الزواج مِن أجنبيّة في معرض أيّ نقاش يُطرح عن غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج في العالم العربيّ، وإنْ كنتُ أرى أنّ ارتفاع تكاليف الزواج أمرٌ بالغ الأهمّيّة، ويجب مناقشته بكلّ أبعاده فإنّني اليوم سأُوضّح للرجل الشرقيّ بعض الحقائق التي قد غفلَ عنها.
المرأة العربيّة عزيزي الشرقيّ، أيضًا تحبّ الوسامة وتلتفت للرجل الوسيم، ولكنّها لا تُعبّر صراحة كما تفعل أنتَ؛ حفاظًا على مشاعرك واحترامًا لك، فهي تتمنّى بينها وبين نفسها شابًّا أبيضَ أو أشقرَ أو أسمرَ مفتولَ العضلات، يعتني بنفسه ولا يُهمل جسده، ولا يرى أنّ الطريق لقلبه تمرُّ عبر المعدة، يُقدّر الحياة الزوجيّة ويُعطيها كلّ أولويّاته.
المرأة العربيّة تنظر بعين الحسرة عندما تُشاهد تعامل الغربيّ معَ حبيبته أو زوجته، وهي أيضًا وصلَها صور المشجّعين الأجانب الذين يصلح كلٌّ مِنهم عارضًا للأزياء في مدرّجات كأس العالم، ولكنّها لم تنقلِ الصور وتتحسّرْ، احترامًا لوالدها وزوجها وأخيها، الذين تعرف تمامًا أنّ فيهم مِن الخصال الجيّدة ما يفوق المُقارنة بالشكل.
المرأة العربيّة تستطيع أيضًا التلويح بنفس السلاح، وزيجات العربيّات مِن أجانب لم تكُن بهذه الكثرة في السابق خصوصًا بعد موجات الانفتاح الأخيرة على العالم الغربيّ، وتقبُّل الكثير مِن العائلات العربيّة لهذه الزيجات بعد نجاح العديد منها ، التي تسودها في الغالب الاحترام المتبادل والشراكة وعم تدخل الأهل .
كما أنّ الفتاة الغربيّة ليست سهلة كما تظنّ، ولنْ تقع في غرامك مِن النظرة الأولى، فأنتَ لستَ كازانوفا قاهر النساء كما تتخيّل، هي أيضًا لها معايير مهمّة تهمّها في الرجل، ربّما لا تجدها فيك، وبعضهنّ لن يعطينك الفرصة، خصوصًا بعد موجة النزوح العربيّة إلى الغرب والحرب على الإرهاب ونفور المجتمعات الغربيّة بسبب اختلاف العادات والتقاليد التي تراها الغربيّة غير مقبولة ومُقيِّدة لحرّيّتها.
أمّا بالنسبة للمهور، فالغربيّة لن تطلب مهرًا، ليس لأنّها تراعي وضعك وحالك ولكنّها تعوّل على قانون بلدها الذي يعتبرها شريكة في كلّ ما تملك، وفيما ستملك في سنوات زواجكم كلّها، ولو حصل الطلاق في يوم مِن الأيّام فإنّها تثق في القوانين التي ستُنصفها، بعكس المرأة الشرقيّة التي لا تشعر بالأمان منذ اليوم الأوّل للزواج، بل تعتبر نفسها مهدّدة بالطلاق أو الزواج الثاني الذي إنِ اعترضت عليه ستجد نفسها خارج بيتها بعد عقود مِن الزواج لا تملك إلّا ما تبقّى مِن مهر أو مُؤخّر لم تعُد له قيمة بسبب اختلاف العملة.
أنا مِن أكثر الداعين لتغيير عادات الزواج المُكلفة وإلغاء المهور، ولكنّ هذا لا يمكن أنْ يحصل إلّا بإعطاء المرأة حقوقًا أخرى تضمن لها الأمان المفقود في الزواج، وهذا لن يحصل إلّا بشراكة حقيقيّة للرجل والمرأة في مؤسّسة زواج تجمعهم وتضمن العدالة الاجتماعيّة لكلّ منهما، فإنْ كنتَ عزيزي الرجل، تُريد إنصافًا وتسهيلًا للزواج فالحلّ ليس بالتهكّم على المرأة العربيّة التي تُشبه لحدّ كبير والدتك التي أتَتْ بك إلى هذه الحياة، بل الأجدى أنْ تعمل معها على تغيير قوانين الأحوال الشخصيّة لتكون أكثر إنصافًا للمرأة، عندها ستتنازل المرأة عن المهر؛ لأنّها تعي بأنّها شريكة في مؤسّسة جلّ ما يهمّها هي نجاحها.
أمل الحارثي
نيوزويك الشرق الأوسط