إن تزايد ما يطلق عليه اسم “جائحة الظل” أو ” الجائحة المستترة” يدعونا لدق ناقوس الخطر ويدعونا للتفكير ملياً بجذور هذه الظاهرة. فلقد رافقت جائحة كوفيد 19 ‘جائحة ظل’ لا تقل خطورةً عن الكورونا وهي جائحة تزايد العنف الأسري في الحجر المنزلي.
لقد هيأ وباء كوفيد 19 بيئة خصبة لتصاعد العنف خصوصاً مع تزايد تدهور الوضع الاقتصادي وفقدان العديد لوظائفهم، وجراء الشعور بالريبة تجاه ما ستؤول له الأوضاع، بالإضافة إلى الضغوطات والتوترات النفسية التي يتعرض لها الجميع على إثر هذه الجائحة. وفي ظل ما فرضته الإجراءات الاحترازية للحد من تفشي وباء كورونا، أصبح لزامًا على النساء التواجد مع أزواج أو أفراد أسرة مسيئين لفترات طويلة، مع عدم القدرة على تلقي الدعم النفسي من الأصدقاء أو الأقرباء أو المؤسسات المعنية.
إن الظاهرة عالمية، فقد قُدر عدد النساء والفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين ١٨ إلى ٤٩ عامًا ممن تعرضن لعنف جنسي أو جسدي ارتكبه الشريك في الاثني عشر شهرًا الماضية بحوالي ٢٤٣ مليون سيدة وفتاة عالمياً. [1] ووفق دراسة لصندوق الأمم المتحدة للسكان، إذا استمر الإغلاق لمدة 6 أشهر، يمكن توقع 31 مليون حالة إضافية من حالات العنف القائم على نوع الجنس. ويمكن توقع 61 مليون حالة إذا وصل متوسط فترة الإغلاق إلى عام واحد.[2] شهدت فرنسا زيادة بنسبة 30 ٪ في حالات الإبلاغ.[3] بحسب مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) في الولايات المتحدة الأمريكية، تعانى 1 من كل 3 نساء و1 من كل 4 رجال في الولايات المتحدة من العنف من الشريك في حياتهم.[4] في بريطانيا أفادت “Refuge”، أكبر مؤسسة خيرية في المملكة المتحدة بشأن العنف المنزلي، عن زيادة بنسبة 700٪ في المكالمات إلى خط المساعدة الخاص بها في يوم واحد.[5] في جنوب إفريقيا، زادت المكالمات إلى مركز قيادة العنف القائم على نوع الجنس التابع لمؤسسة فوداكوم بنسبة 65٪ منذ الحظر.[6] في تركيا، خلال شهر آذار/مارس، قُتلت 29 امرأة، وتسعة آخريات تم تسجيل حالات وفاتهن كمريبة.[7] وفي فرنسا، بلغت نسبة الزيادة في العنف الأسرى، منذ بدء إجراءات الإغلاق في 17 مارس، 30 %. أما في الأرجنتين، فقد بلغت الزيادة في شكاوى العنف المنزلي منذ بدء إجراءات الإغلاق في 20 مارس، حوالي 25%. وفي قبرص وسنغافورة ارتفعت شكاوى العنف الأسري بنسبة 30 و33 في المئة على التوالي.[8]
هذا وتتأثر الدول العربية بشكل أكبر نظراً لوجود الصراعات والنزاعات، وضعف الرعاية الصحية، وانقطاع سبل كسب العيش، وارتفاع الأسعار ودمار البنية التحتية، مما سيشكل أرضاً خصبة لتزايد الأزمات الاقتصادية وبالتالي تزايد الأزمات النفسية مما يؤدي إلى تزايد العنف الأسري. ففي تونس مثلاً تمّ تسجيل 6693 مكالمة من الخط الأخضر 1899 إلى غاية يوم 3 أيار/ مايو 2020 موزّعة كالآتي: (1347 عنف جسدي، 1462 عنف نفسي، 329 عنف جنسي، 763 عنف اقتصادي، 15 عنف مؤسساتي، 1624 عنف لفظي)، إلى جانب 448 عدد الإشعارات الخاصة بالطفولة المهدّدة و38 إشعار لكبار السن.[9]
وقد يؤدي استمرار هذه الجائحة إلى النيل من الجهود في تحقيق المساواة المبنية على النوع الاجتماعي. فوفق دراسة لصندوق الأمم المتحدة للسكان فإنه من المرجح أن تتسبب جائحة COVID-19 في انخفاض التقدم نحو إنهاء العنف القائم على نوع الجنس بحلول عام 2030 بمقدار الثلث.[10] ومن المتوقع أيضا أن يعطل الوباء الجهود المبذولة لإنهاء ختان الإناث. فقد كان الباحثون يتوقعون أن توسيع نطاق برامج الوقاية من ختان الإناث على مدى السنوات العشر المقبلة سيعني خفض عدد الفتيات العرضة للختان بمقدار 5.3 مليون. إلا أن هذا الرقم من المتوقع أن ينخفض بمقدار الثلث إثر الجائحة. كما وسيؤدي تعطيل برامج منع زواج الأطفال إثر الجائحة إلى تزويج 13 مليون طفل إضافي على مدى العقد المقبل.[11]
إن تزايد العنف النفسي والجسدي على النساء أثناء جائحة كورونا جعل الأمين العام للأمم المتحدة يدلي ببيان يدعو فيه الحكومات إلى “وضع سلامة المرأة أولًا عندما تستجيب للوباء.” واليوم مع تطور التكنولوجيا وميل الدول إلى استخدام عدد من التطبيقات لتسهيل كافة الأعمال، يدعو ائتلاف البرلمانيات من الدول العربية لمناهضة العنف ضد المرأة شركائه في منظمات المجتمع المدني إلى ضرورة قيادة حملات توعوية للمجتمع للتصدي للأثار المترتبة على هذه الجائحة، ويدعو الحكومات إلى تخصيص خطوط ساخنة للإبلاغ عن حالات العنف، ويحث الحكومات على أن تُدرج ضمن خطتها في التصدي لجائحة الكورونا خطة للتصدي لهذه الأزمة، كما يعلن التزامه بالمضي قدماً في العمل مع كافة أصحاب المصلحة لتغيير القوانين والتشريعات لتشديد العقوبة على مرتكبي العنف، ويعلن التزامه بتكثيف جهوده الرقابية لحث الحكومات على توفير كافة سبل الحماية والرعاية للمعنفات. وإذ يستنكر الائتلاف هذا العنف والذي زاد في نسبته خلال هذه المدة الحرجة وهي مدة الحجر الصحي، يدعو الائتلاف كافة الدول العربية على الاستعانة بالقانون النموذجي لحماية المرأة من العنف الأسري الذي وضعه الائتلاف، ويحث كافة الدول على الإسراع في اعتماد الاتفاقية العربية لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة والعنف الأسري التي وضعها الائتلاف بالتعاون مع جامعة الدول العربية.
[1] https://www.unwomen.org/-/media/headquarters/attachments/sections/library/publications/2020/issue-brief-covid-19-and-ending-violence-against-women-and-girls-infographic-en.pdf?la=en&vs=5348
[2] https://www.unfpa.org/sites/default/files/resource-pdf/COVID-19_impact_brief_for_UNFPA_24_April_2020_1.pdf
[3]https://amp.usatoday.com/amp/3013983001?fbclid=IwAR02B4GOrzLJwWZcoPM8CKMtsrQRSlwFR5uGpQtESwgHVTcg6aPLK3X7kvo
[4] https://www.apa.org/topics/covid-19/domestic-violence-child-abuse?fbclid=IwAR05GlY_sLtNXgKbS6yTdCSTTdaRDR_f21jZOA21XijpDb1ZkdiqXmMFz9E
[5] https://www.theguardian.com/society/2020/apr/12/domestic-violence-surges-seven-hundred-per-cent-uk-coronavirus?fbclid=IwAR14HblDOXCC9z_aUQ60eptI91n-R9buZqttvZUkALjycsuI6EvrgDTL9TM
[6] https://www.vodafone.com/covid19/news/domestic-violence-abuse-providing-support-during-isolation?fbclid=IwAR1Y95cjcBy9xBRpt4UJotFnp_m-_FyXAS9wej8y1xACHZD8QXUtxTF6QLU
[7] https://www.middleeasteye.net/news/coronavirus-women-murder-turkey-increase-domestic?fbclid=IwAR1Gp-wNnazVPvLyxs7lN-80Pa_iWfXS3duooBBlHDq_YgWYQOUbHJgj4uE
[8] https://www.unwomen.org/-/media/headquarters/attachments/sections/library/publications/2020/issue-brief-covid-19-and-ending-violence-against-women-and-girls-infographic-en.pdf?la=en&vs=5348
[9] http://www.femmes.gov.tn/ar/2020/05/05/الاجتماع-الأوّل-للجنة-التفكير-لرسم-ال/
[10] https://www.unfpa.org/sites/default/files/resource-pdf/COVID-19_impact_brief_for_UNFPA_24_April_2020_1.pdf
[11] https://www.theguardian.com/global-development/2020/apr/28/calamitous-domestic-violence-set-to-soar-by-20-during-global-lockdown-coronavirus